بوابة العالمين

أذكر أني كنت طفلةً وحيدةً لم أجد بيني و بين العالم الخارجي أي صلةٍ ، أرى من هم في مثل عمري يلعبون و يتواصلون معاً ، كنت أعجب منهم ! كان الأمر شبه غريب بالنسبة لي لأني لم أتكلم مع البشر الآخرين مثلهم حتى التقيته ذلك اليوم .. الشخص الذي غير مجرى تفكيريلا أعرف كيف التقيته ، من أين أتى و من هو و لمَ أنا بالذات ؟؟ كنت طفلةً غريبة الأطوار بالنسبة للجميع حتى أهلي ، كل ما كنت أراه هو شاشة التلفاز وانشغل بالتكلم مع يداي و أصابعي ..مرةً حلمت أني رأيت شخصية أنمي بشعرٍ أحمر ، لا أذكر الحلم بالذات لكن من يومها تعلقت به .. حالهحال أصابعي ، أعطيته اسم و هو ميديا .مرت الأيام و كنت أحلم به يكلمني و كنت أفرح ، حتى علق بذهني يخبرني بالأمور التي أجهلها ، كأن شخصاً آخر سكن روحي لكنه كان يهمس لي بصوته الجميل- لا تتركيني كما فعل الآخرون معي .. كوثر ابقي صديقتي و كوني البشري خاصتي .- ميديا لا تقلق أبداً أنا لن أتركك فأنت صديقي المفضل ، سأبقى معك دائماًكنت أرى ميديا أمامي حين نتكلم رغم الفترات الطويلة معاً ، بدأنا نتشاجر قليلاً بشأن الأمور التي نفضلها رغم أننا جسد واحد إلا أن أذواقنا مختلفة ، كبرنا معاً طيلة الأعوام ، لم أستطع تحمل أن أبقى لحظة دون أن أكلمه*****بعد ستة أعوام ..أصبحت أبلغ 14 عاماً من عمري ، لازلت أنا و ميديا معاً و لازلنا مجنونين و غريبين ، الملابس التي نفضلهاسوداء و غريبة أشبه بملابس الإيمو .. ميديا كان يحفزني على أن أجدَّ في دروسي لأننا نريد أن نصبح الأفضل ، و بالفعل تفوقت و أحببت حياتي الدراسية ، خرجنا من الصف بعد أن استلمت أعلى درجة في الصف ..صادفت بعض فتيات صفي يتكلمن عنيسوسن : أتصدقان من أخذ أعلى درجة ؟! إنها غريبة الأطوار البشعة كم أكرههالبنى : بالفعل كلما اتجهت نحوها أراها تتمتم مع نفسها أو تضحكأحمد : يا فتيات لماذا تدعنها تأخذ هذا الكم الكبير من تفكيركما ؟ أراهن أنها مجنونة أو تعاني انفصامسوسن : أنت محق ، أرايتما ملابسها ؟ من أين أحضرتها؟!أصبت بالصدمة .. أهكذا يرونني ؟؟- كوثر لا تحزني ، لن أسمح لأحد بأن يجرحكِ- ميديا ، هل فعلاً يكرهني الجميع ؟ لكن لم أخطئ بحقهم ، أنا لم أقترب منهم حتى..- عاااااااااأتى صوت صراخ من خلفنا ، و عندما ذهبت إلى ذلك المكان تفاجأت .. كان الطلاب الثلاثة الذين تحدثوا عني بسوء قد سقطوا في الأرض و علامات الشحوبتبدو عليهم ، و وجوههم جامدة خالية من الملامح !!أخلو مكان الحادث من الطلاب و عدنا لصفوفنا ، و بعد ساعة دخل مرشد المدرسة قائلاً- للأسف الطلاب الثلاثة قد دخلوا غيبوبة و سبب الغيبوبة غير معلوم ، فهم شبه موتى و قد يفارقون الحياة قريباً ، الشرطة حققت و قالو أن قضيتهم غريبةٌ جداً و لم يتعرضوا لمثلها .*****عدت للمنزل أفكر في حادثة اليوم ..- ميديا ألا تظن أن الأمر الذي حدث في المدرسة غريب ؟ لقد ماتوا فور تكلمهم عني ! أشك أنك الفاعل ..- اسمعيني جيداً ، أضن أنه الوقت المناسب لقول هذا لكِ .. أنتِ لم تعودي بشريةبدت علي وجهي علامات الذهول ، و بعدها أكمل قائلاً- أنتِ لا تعرفين بالضبط ما أنا .. أنا جنيّك و أنتِ بشريتي ، في كل مرةٍ يموت ملك بوابة العالمين يختار بشرياً واحداً ليحكم ، و كل من حكم امتلك جني، أي أنتِ يمكنكِ التنقل بين العالمين و لن يؤذيكِ أحد.. لديكِ قوةً تفوق قوة البشر ، و الدليل هو ما حدث ..لقد أُرسِلوا ليتعذبوا لاأنهم آذوا نفسيتكِ- ميديا لا أريد أن يتعذبوا- لا يمكنني إيقاف الأوامر ، سينتهي الأمر بهم في الموت أو يسكنوا العالم الآخر و يعشوا بقية حياتهم في الألم و العذاب- ميديا .. خذني إلى هناك- قبل أن تقرري الذهاب عليكِ أن تعرفي هذا- قل ما لديك .- هناك احتمالٌ أن تفقدي سلطتكِ- لا يهم مادام أني لن أقتل أحداً .- و أيضاً ... سيموت أحدنا أو نفترق ، لن نرى بعضنا بعد أن تفعلي هذا  .. و الآن ما قراركِ ؟؟- ميديا أيمكنك أن تريني عذاب هؤلاء الثلاثة لكي أقرر ؟بعدها أراني ميديا عذاب كل منهم على حدة .. سوسن كانت معلقةً في الهواء و تصرخ عالياً لدرجة أن صراخها كاد يثقب طبلة أذني .لبنى كانت قد حامت حولها دائرةٌ من النيران الهائجةو يوجد جني يجلدها ، أما أحمد فقد كان يجلس بهدوءٍ على كرسي و مربوطٌ بحبل- ميديا .. لمَ أحمد لا يتعذب مثلهما ؟- بلى إنه يتعذب أكثر منهما حتى ، تعذيبه نفسي و يعاني أكثر مما تعانيان ، هناك جني يتسلل في داخله و يقوم بتعذيبه ..ما رأيته قد آذى نفسيتي فعلاً ، اتجهت نحو غرفتي لأنام ..- ميديا لا تكلمني ، أشعر بالتعب و أريد أن أنام .غطيت في نومٍ عميقٍ لكن ثلاثتهم كانوا في أحلامي ، كنت أراهم يطلبون النجدة كي أساعدهم .. استيقضت و أنا أصرخ بصوتٍ عالٍ  ، بدأ ميديا يهدئ من روعي و يقول- لا تقلقي ، نامي الآن و سأحاول منع تلك الكوابيس ..نمت بعد أن طمأنني ميديا ، لكن نمت بسلامٍ لساعةٍ واحدةٍ و عادت تلك الكوابيس و استمرت لساعات ..استيقظت صباحاً و قال لي ميديا- أنا آسف فقد كانت قواكِ أكبر من قواي لذا لم أستطع منع تلك الكوابيس .- ميديا .. متى سينتهي عذابهم ؟- لن ينتهي .. حين ينتهي يحل محله عقابٌ أسوأ منهاستمرت تلك الكوابيس لأيامٍ كثيرةٍ لم أذق وقتها طعمالنوم .. ناداني ميديا و قال- أتذكرين ذلك اليوم حين وقع على رائسكِ دلو ماء بارد ؟- أجل أذكر .. وقتها مرضت لأسبوع- و هل تذكرين العام الماضي حين وجدتِ كتبكِ ممزقة ؟- أجل أذكر .. لقد حرمت من استلام غيرهابدأ ميديا يذكر تلك المقالب و الأمور التي عانيت منهافي المدرسة- أتعلمين أن هؤلاء الثلاثة من كانوا يدبرون لكِ تلك المقالب ؟ ألم تلاحظي توقفها حين وقعوا في غيبوبتهم ؟- أنت محق- و الآن ماذا بشان قراركيِ ؟ هل تريدين إنقاذهم و تلغين العقوبة ؟؟أجبته بتردد :- نعم .. مازلت أريد ، إن تركتهم قد أندم طوال حياتي.- إذاً هيا بنا فلنذهب ..أمرني ميديا بالوقوف أمام الحائط و بعدها ظهر دخان و على يساري خرج منه ميديا .. لقد كان كما رأيته أول مرةٍ ، أشبه بشخصية أنمي بشعرٍ أحمر .. لطالما أحببت شكله هذاأمسك يدي و قال كلماتٍ غير مفهومةٍ فظهرت بوابةمن نور لم أستطع النظر إليها لشدة سطوعها .. ادخلني ميديا فيها و وجدت نفسي في عالم الجن ..ظللت ممسكةً يد ميديا و قادني إلى مكان الجني المسؤول عن معاقبة من يؤذيني ، بقيت أنظر إلى وجه ميديا فهذه آخر مرة قد أراه فيها .. صديق طفولتي و كل شيءٍ بالنسبة لي ، أيعقل أننا سنفترق بعد هذا ؟؟ عشنا طفولتنا معاً ، لكن أنا بشرية .. حتىلو بقينا معاً سأموت في النهاية .بدأت التساؤلات تحوم حولي ، كيف سأعيش بدونه بعد أن كان كل ما لدي ؟ فاضت دموعي دون أن أشعر- ها قد وصلنا- هاه بهذه السرعة !! لم يتسنى لي الوقت لأنضر إليه ، دخلت القصر و كان الجني جالساً ، حياني باحترام :- أهلاً يا ملكة بوابة العالمين ، مرحباً بالبشرية الأهم.. أهناك أمر مهم جعل جلالتكِ تدخل عالمنا ؟- مرحباً بك أيضاً .. نعم أريد أن تلغي عقوبة هؤلاء الثلاثة- مولاتي لكن ستفقدين سلطتكِ ، أنت موافقة ؟؟ و أيضاً لن تري هذا الجني من جديد .. نظرت إلى ميديا و عانقته بشدة و بدأت أبكي- أنا آسفة أود أن أبقى لكن...- أعلم .. الأمر ليس بيدكلن أتمكن من وصف ذلك الشعور ، إنه آخر لقاءٍ بيننا ، لم أستطع أن أفي بوعدي .. كان ذلك الشعور أليم جداً- هيا إنه قراركِ عليكِ أن تنهيه ..- حسناً .. بصفتي ملكة بوابة العالمين ألغي هذا القرارو أتنازل عن سلطتي مقابل تحرير البشر الذين يعذبون..استيقظت وووجدت نفسي ملقاةً في حديقة ، قلت لنفسي هل انتهى كل شيء ؟؟*****بعد ثلاثة أيام على الأمر ..كانت حياتي من دونه كالجحيم ، مرت تلك الأيام ببطء ، كل لحظةٍ كأنها عام من دونه ، لم أعرف كيف سأكمل حياتي هكذا ! كلا .. لست نادمةً على قراري فأنا لم أستطع جعل أولئك الثلاثة يموتون بسببي على الرغم مما فعلوه معي ، لكن بنفس الوقت لا يمكنني العيش بدون ميديا ، لم أحتمل هذه الأيام الثلاثة إذاً كيف بالأعوام ؟؟سأنهي حياتي الآن .. فأنا قبل تعرفي على ميديا كنت لا شيء ، و سأبقى كذلك ..وقفت على سطح المنزل و رميت نفسي منه منهيةً جحيمي من دونه ..لن أنساك أبداً ميديا .. ستظل ذكراك حتى بعد مماتيوداعاً أيها العالم الكئيب .

تعليقات

المشاركات الشائعة