الساحرة الشمطاء

الساحرة الشمطاءبقلم : هنادي - المغربلقد كانت في نظر الكل فتاة غامضة لا تتكلم مع أحد !!كان اسحق عبقرياً في دراسته ، لطالما انغمس بين كتبه وحاسوبه لساعات ، كان كل همه التفوق على نسرين ، تلك الطالبة الجديدة التي مافتئت أن تستولي على مرتبته ، البارحة قد تفوقت عليه في حل معادلة عقيمة و لأول مرةفي مساره الدراسي يتعرض لمثل هذه المذلة ، قد أحس بأن الأرض انشقت و ابتلعته ، بدأ يحس بالخطر المحدق به ، الآن يجب عليه التسلح أمام عدو متسلط و التصدي له...لم ينم تلك الليلة من شدة غيظه ، لديه رغبة قوية للانتقام من تلك الفتاة الفقيرة التي لم تغير حذاءها منذ بداية الدراسة ، لا ينبغي عليها أن تتفوق على ابن واحدٍ من الأعيان ، قد استحوذت عليه فكرة شيطانية و أسدلت ستارها الأسود على قلبه الذي لم يعرف أبداً الغل و الحقد، الآن وجدت الشرور مثوى لها ، و ياله من ملجأ دافئ عقلعبقري مندفع ، كانت خطته التقرب منها و التودد إليها لمعرفة أسرارها ..لقد كانت في نظر الكل فتاة غامضة لا تتكلم مع أحد و تتجنب الأخذ و الرد مع زملائها ، و لهذا نعتت بأبشع الألقاب منها غريبة الأطوار ، كيف لا و هي دخلت لوسط اجتماعي غير و سطها لذكائها و تفوقها .. التحقت بهذا المعهد عن جدارة و استحقاق بعد أن منحتها الدولة منحة دراسية .توجه اسحق في اليوم التالي إلى الطاولة التي بقرب نسرين ، و التفت إليها مبتسما و أردف كلماته اللبقة : صباحالخير نسرين ..نسرين: صباح الخير ، جوابها رافقته علامات من الاستغراب رسمت على ملامحها فلم يسبق لأحد أن تكلم معها فيالفصل ، و الأشد غرابة من هذا اسحق الفتى الوسيم الذكي الذي تتودد إليه كل الطالبات و لا يعيرهن اهتماماً .فجأة قاطع تفكيرها اسحق : أهنئك على علامة البارحة لقدتفوقت علي ، و أتمنى أن تساعديني على فهم المعادلة إذا لم يكن لديكِ مانع طبعاً .كيف ستمانع و هي كانت شديدة الإعجاب به لكنها رغم فقرها غنية بكرامتها و عزة نفسها لم تكن كباقي الذليلات اللاتي دائما ما يبحثن عن حجة ما للكلام معه ، ردت عليه :بالطبع ليس لدي مانع ، اختر الوقت المناسب كي أوضح لك حل المعادلةاسحق: ما رأيك غداً بعد الدوام في مكتبة المعهدنسرين : حسناً قالتها بابتسامة ...***في الغد بعد الدوام توجها معاً إلى المكتبة ، اليوم قد غيرت نسرين حذاءها و انتعلت حذاءً جديداً و غيرت تسريحتها و أطلقت لشعرها الناعم العنان كي ينزلق فوقكتفيها ، استغرب اسحق لهذا التغيير و لكنه اعتبر خطته تسير في الطريق الذي رسمه ، و في نفس الوقت توجس خيفة في أعماقه لأنه أدرك بأن الفتاة معجبة به ، لم يكن يرغب في جرح مشاعرها هدفه الانتقام و الكشف بأنها تغش و يذلها بالفضيحة أمام الأساتذة ، لكن رب ضارة نافعة .فتحت نسرين حقيبتها و أخرجت ورقة و قلم و استهلت الشرحبمقدمة بسيطة و كانت تتلعثم في الكلام ، أما اسحق فكان يمثل بأنه يتابع شرحها ، في الحقيقة قد بحث عن الحل ووجده ، هو هنا بغرض التقرب لا غير .. عند انتهاءنسرين من محاضرتها القصيرة ، سألها :أيمكن أن تعطيني اسم حسابك على الفيسبوك ؟ إذا كنتِ موافقة أن نصبح أصدقاء ، كما تعلمين ليس لي صديق ، و لكني وجدتك متميزة و لطالما رغبت بصديقة مثلك ، و إنكان جوابك الرفض فسأظل أحترمك .نسرين : أنا موافقة أن نصبح أصدقاء بل هذا يسعدني ، لكن ليس لدي حاسوب آسفة .اسحق : لا بأس ، و شكراً على قبول صداقتي ، سأكتفي فقط برقم هاتفك إن لم تمانعي !نسرين : لا أمانع البتة .. و أعطته رقم هاتفهااسحق : أنا سعيد جداً بالتعرف عليك ، سأذهب الآن إلى اللقاءنسرين : إلى اللقاء .طوال الطريق و اسحق يفكر كيف سيكشفها !! على ما يبدو نسرين ذكية فعلاً ، لكنه لا يصدق بأنها استطاعت أن تحل المعادلة التي عجز عن حلها الأستاذ بنفسه و وضعها كتحدي بينه و بين طلابه ، فجاة طرأت على باله فكرة أخرى سأدعكم تكتشفونها في المقطع التالي :هاتف نسرين يرن .. إنه اسحق ، ردت عليه :نسرين : الو اسحق كيف حالك ؟اسحاق : أهلاً نسرين ، أنا بالمتنزه العمومي بالقرب من منزلك ، إذا كان من الممكن أن ترافقيني في هذه النزهة سأكون ممتناً لك .نسرين : حسناً و لكن سأتاخر لبعض الوقت قرابة ربع ساعة، أيمكنك أن تنتظرني ؟اسحق : نعم سأنتظرك ، أعلم أنك ستتأخرين لارتداء ثيابك وتسريح شعرك إلى اللقاء ، أنا في الجهة الشرقية المقعد الخلفي لا تتأخري .نسرين لم تكن مصدقةً ما يحدث ، ما حلمت به يتحقق ، اعتقدت أن اسحق معجباً بها ، ارتدت ملابسها و قبل خروجهاأخذت طلاءً أحمراً و كتبت رموزاً غير مفهومة و وضعتها بجيبها ، اتجهت إلى مكان اسحق و ألقت عليه التحية و جلست بجانبه ، لفت انتباهها علبة كبيرة بجانبه مغلفة بورق الهدايا ، حمل اسحاق العلبة و أعطاها لها قائلاً :أرجوك لا ترفضي هديتي ، إن رفضت أخذها سأعتبره رفضاً لصداقتينسرين : لماذا كلفت نفسك ؟! أرجوك لا يمكنني أخذها فلم أعتد على هذا النوع من المعاملة ، أرجوك لا تقرن صداقتنا بقبول الهدية .اسحق : كما تشائين ، سأذهب الآن إلى اللقاء ، و رسم على وجهه العبوس و الانزعاج .نسرين : انتظر ، لماذا أنت متسرع ؟ سأقبلها و لكن بشرطأن تعدني بأنها آخر هدية .اسحق : افتحيها أولاً ، أتمنى أن تعجبكِ..فتحت نسرين العلبة و رأت بداخلها حاسوب محمول ، ذهلت فهي تعرف بأنه يكلف مبلغاً كبيراً فقالت :نسرين : اسحق لا أستطيع قبول هدية ثمينة كهذه ، فأنا أحس بأني كمن يستغل الصداقة لأغراض مادية ، أرجوك لا تنزعج !اسحق : هذا الحاسوب لا يساوي شيئاً أمام صداقتنا ، ستأخذيه الآن و إلا حطمته أمامك ، أرجوك نسرين لا تبالغي فهذا شيء عادي بين الأصدقاء .نسرين : شكراً لك ، سيساعدني حقاً في دراستي و سيمكنني من التواصل معك يومياً ، كنت بأمس الحاجة إليهاسحق: لا تنسي فتح حساب على الفيسبوك و أضيفيني ، ابحثي عن اسمي و ستعثرين على حسابينسرين :حسناً بكل سرور .اسحق : سأذهب الآن و سنلتقي في الفصل بعد العطلة ، أنا سعيد لأنه أخيراً سنتواصل يومياً ، إلى اللقاءنسرين : إلى اللقاء و شكراً .ودعها و هو يبتسم ابتسامة ماكرة .. يا لخبثه فقد وضع في الجهاز برنامج تجسس خفي سيمكنه من مراقبتها ..***في المساء فتح حاسوبه و وجد طلب إضافة من نسرين ، قبل الطلب و رحب بها و لكن لشدة ذهوله أخذ يفرك عينيه لمرات عدة ، ليست نسرين التي تكلمه ، فعلى كاميرا برنامج التجسس يرى عجوزاً شمطاء !! شك في بادئ الأمر باكأنه خلل في البرنامج لكنه صدم حينما طلب من نسرين تشغيل الكاميرا كي يراها ، رأى تلك العجوز تذهب ناحية الدولاب و تفتحه و تخرج علبة بها طلاءٌ أحمر و تكتب رموزاً على ورقة و تضعها داخل جيبها فتتحول إلى نسرين و تجلس أمام الكاميرا و تشغلها و تقوم برفع يدها كي تحييه ، كلمها و اعتذر منها قائلاً أن أمه تناديه و سيذهب الآن .جلس مصدوماً لا يدري ماذا يحدث ، إن هذا لأمر عجيب ومرعب ، من هي تلك العجوز ؟! و كيف تتحول يجب عليه كشف حقيقتها .راقبها لساعات لم تكن في المنزل ، إنه منتصف الليل و لا أثر لوجودها ، فجأة تدخل نسرين إلى غرفتها و تخرجالورقة من جيبها و تعود إلى طبيعتها ، ليس هذا فقط قامت برسم دائرة بداخلها رموز غير مفهومة ، و سحبت قطاً أسود و نحرته و جمعت دمه داخل العلبة و هي تردد كلاماً غير مفهوم ، فجأة تصرخ و تسقط أرضاً و يغمى عليها ، أصيب اسحق بالرعب ، لكن ما فهمه خلالهذه الأيام أن تلك العجوز ساحرة تقوم بالتعاويذ لتتحول إلى فتاة شابة ، لهذا نسرين ذكية جداً و منطوية على نفسها ..اعتبر أن هذا الأمر خطير جداً ، فأخذ يتهرب منها و لم يعديكلمها ، استغربت تصرفه لكنها لم تهتم لأنها معتادة على هذا النوع من التصرف ، الحل الوحيد الذي خطر ببال اسحق هو التوجه إلى أقرب مركز شرطة و أخذ التسجيلات و الإبلاغ عنها و يا ليته لم يتخذ هذا القرار ..بعد تبليغه عنها بحثت الشرطة في الأرشيف المنسي فيالقبو ، فاكتشفوا بأنه منذ خمسين سنة عثر على نسرين مقتولة .. فاقتحموا منزل العجوز و لم يجدوا لها أثراً لكنالمنزل كان يعج بالقطط المذبوحة و رائحته كريهة جداً ، بحثوا عن نسرين أو العجوز و علقوا صورها على أنها مجرمة خطيرة و يجب التبليغ عنها فور رؤيتها ..اختفت نسرين عن الأنظار لكنها لم تختف من كوابيس اسحق فقد كان دائماً يراها تتوعده و تلعنه ، لم يعد ينام .. ليس هذا فحسب لقد أصابه الجنون من شدة خوفهو عثر عليه ميتاً في المنتزه و كانت عيناه جاحظتان مما يفسر هلعه الشديد أثناء وفاته .

تعليقات

المشاركات الشائعة